فصل: تفسير الآية رقم (92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}
أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الافراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم براءة، فكنت أكتب ما أنزل الله عليه، فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت {ليس على الضعفاء} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ليس على الضعفاء...} الآية.
قال نزلت في عائذ بن عمرو وفي غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزل من عند قوله: {عفا الله عنك} [التوبة: 43] إلى قوله: {ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم} في المنافقين.
أما قوله تعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله}.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن أبي ثمامة الصائدي قال: قال الحواريون: يا روح الله أخبرنا من الناصح لله؟ قال: الذي يؤثر حق الله على حق الناس، وإذا حدث له أمران أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة، بدأ الذي للآخرة ثم تفرغ للذي الدنيا.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة».
قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين النصيحة». قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن جرير قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: أحب ما تعبدني به عبدي إلى النصح لي».
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه. أن راهبًا قال لرجل: أوصيك بالنصح لله نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم.
أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {ما على المحسنين من سبيل} قال: ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد، فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين، ألم تسمع أن الله يقول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] فجعل الله للذين عذر من الضعفاء، وأولي الضرر، والذين لا يجدون ما ينفقون، من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزو تبوك، فأشرف على المدينة قال: «لقد تركتم بالمدينة رجالًا ما سرتم في مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم فيه».
قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: «حبسهم العذر».
وأخرج أحمد ومسلم وابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة رجالًا ما قطعتم واديًا، ولا سلكتم طريقًا، إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ما على المحسنين من سبيل} والله لأهل الاساءة {غفور رحيم}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}
وقرأ أبو حيوة: {نصحوا اللَّهَ} بدون لام، وقد تقدم أن نَصَح يتعدَّى بنفسِه وباللام.
وقوله: {مِن سَبِيلٍ} فاعل بالجارِّ لاعتماده على النفي، ويجوز أن يكونَ مبتدأً والجارُّ قبلَه خبرُه، وعلى كلا القولين فـ {مِنْ} مزيدةٌ فيه، أي: ما على المحسنين سبيل.
قال بعضُهم: وفي هذه الآيةِ نوعٌ من البديع يسمى التمليح وهو: أن يُشارَ إلى قصةٍ مشهورة أو مثلٍ سائرٍ أو شعر نادر في فحوى كلامك من غير ذِكْره، ومنه قوله:
اليومَ خمرٌ ويبدو بعده خَبَرٌ ** والدهرُ مِنْ بين إنعامٍ وإبْآسِ

يشير لقول امرئ القيس لَمَّا بلغه قَتْلُ أبيه: اليومَ خمرٌ وغدًا أمره، وقول الآخر:
فواللَّهِ ما أدري أأحلامُ نائمٍ ** أَلَمَّت بنا أم كان في الركب يوشَعُ

يُشير إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس.
وقول الآخر:
لعَمْروٌ مع الرَّمْضاءِ والنارُ تَلْتَظِي ** أرقُّ وأحفى منكَ في ساعة الكَرْبِ

أشار إلى البيت المشهور:
المستجيرُ بعمروٍ عند كُرْبته ** كالمستجير مِنَ الرَّمْضاءِ بالنار

وكأن هذا الكلامَ وهو {ما على المحسنين من سبيل} اشتهُر ما هو بمعناه بين الناس، فأشار إليه مِنْ غير ذكر لفظه. ولمَّا ذكر الشيخ التمليح لم يُقَيِّده بقوله من غير ذكره ولابد منه، لأنه إذا ذكره بلفظه كان اقتباسًا وتضمينًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}
قيمةُ الفقرِ تظهر عند سقوط الأمر، ولو لم يكن في القلة خيرٌ إلا هذا لكفي لها بهذا فضيلة؛ بقوا في أوطانهم ولم يتوجَّه عليهم بالجهادِ أمرٌ، ولا بمفارقة المنزل امتحان. واكتفى منهم بنصيحة القلب، واعتقادِ أَنْ لو قدروا لخرجوا.
وأصحابُ الأموال امتُحِنوا- اليومَ- بِجَمْعِهَا ثم بِحِفْظِهَا، ثم مَلَكَتْهُم محنتُها حتى شقَّتْ عليهم الغيبةُ عنها، ثم توجَّه اللومُ عليهم في تَرْكِ إِنفاقها، ثم ما يعقبه- غدًا من الحسابِ والعذاب يربو على الجميع.
وإِنَّما رفع الحَرَجَ عن أولئك بشرطٍ وهو قوله: {إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ} فإذا لم يوجد هذا الشرطُ فالحرجُ غيرُ مرتفع عنهم.
قوله: {مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ}: المُحْسِنُ الذي لا تكون للشرع منه مطالبة لا في حقِّ الله ولا في حقِّ الخَلْق.
ويقال هو الذي يعلم أَنَّ الحادثاتِ كلَّها من الله تعالى.
ويقال هو الذي يقوم بحقوقِ ما نِيط به أَمْرُه؛ فلو كان طيرٌ في حكمه وقَصَّرَ في عَلَفِه- لم يكن محسنًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (92):

قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم عطف على ذلك قوله: {ولا على الذين إذا} وأكد المعنى بقوله: {ما أتوك} أي ولم يأتوا بغير قصدك راغبين في الجهاد معك {لتحملهم} وهم لا يجدون محملًا {قلت} أي أتوك قائلًا أو حال قولك، وقد مضمرة كما قالوا في {حصرت صدورهم} [النساء: 90] {لا أجد ما} أي شيئًا {أحملكم عليه} وأجاب {إذا} بقوله ويجوز أن يكون استئنافًا و{قلت} هو الجواب {تولوا} أي عن سماع هذا القول منك {وأعينهم تفيض} أي تمتلئ فتسيل، وإسناد الفيض إليها أبلغ من حيث أنها جعلت كلها دمعًا: ثم بين الفائض بقوله: {من الدمع} أي دمعًا والأصل: يفيض دمعها، ثم علل فيضها بقوله؛ {حزنًا} ثم علل حزنهم بقوله: {ألا يجدوا} أي لعدم وجدانهم {ما ينفقون} فحزنهم في الحقيقة على فوات مرافقتك والكون في حزبك، وهذه قصة الكبائين صرح بها وإن كانوا داخلين في {الذين لا يجدون} إظهارًا لشرفهم وتقريرًا لأن الناصح- وإن اجتهد- لا غنى له عن العفو حيث بين أنهم- مع اجتهادهم في تحصيل الأسباب وتحسرهم عند فواتها بما أفاض أعينهم- ممن لا سبيل عليه أو ممن لا حرج عليه المغفور له. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى لما ذكر الضعفاء والمرضى والفقراء، بين أنه يجوز لهم التخلف عن الجهاد بشرط أن يكونوا ناصحين لله ورسوله، وبين كونهم محسنين، وأنه ليس لأحد عليهم سبيل، ذكر قسمًا رابعًا من المعذورين، فقال: {وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَنًا ألاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ}.
فإن قيل: أليس أن هؤلاء داخلون تحت قوله: {وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} فما الفائدة في إعادته؟
قلنا: الذين لا يجدون ما ينفقون، هم الفقراء الذين ليس معهم دون النفقة، وهؤلاء المذكورون في الآية الأخيرة هم الذين ملكوا قدر النفقة، إلا أنهم لم يجدوا المركوب، والمفسرون ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوهًا: الأول: قال مجاهد: هم ثلاثة إخوة: معقل، وسويد، والنعمان بنو مقرن، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحملهم على الخفاف المدبوغة، والنعال المخصوفة، فقال عليه السلام: {لا أجد ما أحملكم عليه} فتولوا وهم يبكون، والثاني: قال الحسن: نزلت في أبي موسى الأشعري وأصحابه، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه، ووافق ذلك منه غضبًا، فقال عليه السلام: «والله ما أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا وهم يبكون فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم ذودًا خير الذود، فقال أبو موسى: ألست حلفت يا رسول الله؟ فقال: «أما أني إن شاء الله لا أحلف بيمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمين».
والرواية الثالثة: قال ابن عباس رضي الله عنهما: سألوه أن يحملهم على الدواب فقال عليه السلام: «لا أجد ما أحملكم عليه» لأن الشقة بعيدة.
والرجل يحتاج إلى بعيرين، بعير يركبه وبعير يحمل عليه ماءه وزاده.
قال صاحب الكشاف: قوله: {تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَنًا} كقولك: تفيض دمعًا، وهو أبلغ من يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الذين} يعني: ولا حرج على الذين.
{إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} على الجهاد.
روى أسباط، عن السدي أنه قال: أقبل رجلان من الأنصار أحدهما عبد الله بن الأزرق، والآخر أبو ليلى، فسألاه أن يحملهما، {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}.
وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: أتاه سبعة نفر من أصحابه، سالم بن عمير، وحزم بن عمرو، وعبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى، وسليمان بن صخر، وعتبة بن زيد، وعمرو بن عتبة، وعبد الله بن عمرو المزني يستحملونه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}.
{تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ}، يعني: تسيل {مِنَ الدمع حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} في الخروج إلى الجهاد. اهـ.